أول الأيام السود في تاريخنا
نظرة واحدة إلى عمل مجلسنا النيابي اليوم، تقنع أي تلميذ إبتدائي أنه مجلس مهاترات ومزايدات وإفساد. آلاف التشريعات التي أسسها الأتراك والفرنسيون تحتاج لتشريع متجدد ولا أحد يأبه أو يفكر. إنه مجلس “مداواة الحاضر بالحاضر”،وردود الفعل لا الأفعال، ومعالجات ما يطفو على السطح من مشاكل بدل الولوج إلى أساساتها. كل ذلك لسبب بسيط لكنه بالغ الأهمية: غياب مجلس الشيوخ!
بعد رحيل الفرنسيين الذين شاركوا جهابذة القانون وأولهم ميشال شيحا، في نص دستوري “لا نضل بعده أبداً”، رأى نوابنا أن مجلس الشيوخ هذا سيف مسلط فوق رقابهم يمنع “البرطيل” والإستفادة، كما أن قضايا التخطيط المستقبلي للوطن كانت آخر أولوياتهم، وقرروا التخلص منه. وفي صبيحة يوم أسود هو 17/10/1927، عدلوا الدستور بإلغائه كلياً ودمجه بمجلس النواب. كانت تلك الخطوة الأولى على طريق الفساد!. ثم شعر اللبنانيون بحتمية وجوده فأقروه ثانية في مندرجات الطائف وحددوا صلاحياته بعدة كلمات:”تتمثل فيه جميع العائلات الروحية و تنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية”إمعاناً في تقليص أهميته. لكنهبرغم هذا، لم يأخذ مجراه للتنفيذ لأسباب معروفة من دواعيها الفساد.
وجود هذا المجلس يكرّس التوازن بين البرلمان والحكومة، ويساعد في ضبط إيقاع النظام التشريعي المفقود، ويساهم في إشراك كافة الطوائف في الحوكمة،ويحد من الطائفية السياسية لتتكامل مع مبدأ التعايش المشترك..كما أنه يدعم مبدأ فصل السلطات. وبين مسؤولياته الأخرى وضع الدراسات والحلول لمشاكل الوطن الحالية والمستقبلية/ إقرار تعيين الوزراء وكبار الموظفين في الدولة حسب المؤهلات والبرامج التنفيذية/ استجواب ومحاكمة كبار الموظفين/ الموافقة على المعاهدات الخارجية.. وغيرها الكثير.
لقد كان إلغاؤه يوما أسود في تاريخنا لتهشيم الدستور. وإلى يوم أكثر سواداً في الجمعة القادم!.
د. هادي عيد