المكابرة المارونيَّة!

مصيبة موارنة العصر مزدوجة: الضلال والمعاصي.

في الضلال، زويعموهم المدنيُّون مبدعون. هم ضلُّوا عن تاريخهم، وتراثهم، وهويَّتهم. أتقنوا النكد فنَّاً، وتفنَّنوا في المكائد بحقِّ بعضهم البعض، قبل الإستغراق في المراوغة مع الآخرين، وإستسهال الإنبطاح أمام أيِّ مستبِّدٍ والزحف خلف أيِّ مستترٍ لعريه بوريقة نقد. مدمنو فوضى التنازع، هم؟ بل مدمنو التشتيت المستفحل توحُّشاً حدَّ القضاء على ما في بني شعبهم من ندرة تميُّزٍ وكفاءة سطوعٍ.

وفي المعاصي، قادتهم الروحيُّون مبدعون. هم عصوا هويَّتهم، وتراثهم، وتاريخهم. أتقنوا التسمسم عظات، وفي إثارة الشكوك إتَّعظوا، بعد فصل العقل عن الإيمان وضرب أحدهما بالآخر، وإستسهال المنحول على إغتباط الأساس. وما إعلانهم إلَّا إنكاراً، وإنكارهم إلَّا إعلاناً. بهما يتزوَّدون ويكملون، كمن لا ميعاد له ولا قِبلَة، بل في عري المخادعة ملجأه. كأنَّما في شرعيَّة المخادعة صدقيَّة البلوغ وتثبيته.

يشهد على مصيبة الموارنة ثلاثة بابوات: الأوَّل قدِّيسٌ عظيمٌ رفع وطنهم الى أعلى من “رسالة حريَّة للشرق كما للغرب”، وأتاهم موَقِّعاً عندهم إرشاداً رسوليَّاً إعتبره “دستوراً” لقيامة لبنان، فأخفوه ما إن غادرهم وما قرأوه حتَّى. وكذا فعلوا مع الثاني، ملفان الأحبار الأعظمين، الذي أتاهم بإرشادٍ رسوليٍّ ثانٍ وطَّد حضورهم صخراً في الشرق… للعالم. أمَّا الثالث، وهو في المباشر من المؤنِّبين بوجه المرائين، فيخفون سلاسلهم وصلبانهم التي من ذهب كلَّما زاروه، ويفيضون على مسامعه طيب الكلام الفاضح عوراتهم المدنيَّة والروحيَّة، وفي قناعتهم أنَّه لهم من المصدِّقين.

وحده المتبحِّر في الحيرة، متلبِّكٌ من مستوى الإضمحلال الذي بلغوه، وما من يوازيه سوى البلاهة المتبحِّرة قناعة، تجاه شعب أمانته أنَّه في الخطر، ما إنشطر بين التنكُّر لإيمانه والإنقسام.

…فالى أن تُبتَدَع إنتلجنتسيا مارونيَّة، مُنقِذَة من الضلال والمعاصي، سيبقى قدِّيس العراء العظيم وحيداً في صحارى العالم، يتطلَّع من عليائه على من يدَّعون الإنتماء إليه… ولا يعرفهم!

غدي م. نصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى