أين شعبك يا لبنان؟

 

يدّعي المسؤولون اللبنانيون الفاسدون بأنهم يحاربون الفساد، فيما القضية مجرّد تمثيلية سخيفة ترمي الى ذرّ الرماد في عيون الغرب الضاغط. اما الحقيقة، فوحده الشعب اللبناني بإمكانه التغيير.. ولن يَسلَم لبنان الا بتغييرهم!

لكن أين نحن من التغيير؟

نزل شباب العالم الى شوارع عواصم بلدانهم مطالبين بالعمل على تصحيح الخلل البيئي، وشبابنا لم يحرّك ساكناً، كأن بلدنا، الذي تحوّل الى مزبلة، غير معني…

نزل الشعب الجزائري الى الشارع للمطالبة بحقه في تقرير مصيره ومنع الاستبداد بحكمه، ولبنان الشعبي لا يزال هامداً لا حسّ له ولا حراك. حقوقه الشرعية تُستباح من قِبَل مجموعة لصوص يهيمنون على حكمه وقراره…

نزل الشعب الفرنسي المدلّل أصلاً الى الشارع للمطالبة بقدرة شرائية أفضل، والمواطن اللبناني وصل الى ما دون مستوى الفقر ولا يزال مسيّراً غير مخيّر، يخاف من أخيه بدل أن ينتفض على مسؤولين فرّقوه ليسدوا…

من واجبنا أن نسأل، أين أنت يا شعب لبنان العظيم؟ فإن لم تثبت وجودك ستُسلب حرّيتك وسيستمرّ استبداد حكامك واستعبادك من قبل أمراء الدين.

لغة خشبية لخطاب متحجّر

لم تكن زيارة وزير الخارجية الأميركية استفزازية كما اعتبر البعض، بل لعب مايك بومبيو دوره المتوقّع بالتهجّم على “حزب الله”. فهو ليس غبياً، لأنه يعلم ان انتقاده الحزب لن يؤثر على أربابه، والتهويل كما التحريض عليه لن يؤديا الى نفور بين اللبنانيين الذين، رغم خِلافاتهم يعلمون ان لا أحد يستطيع الغاء أحد، والعودة الى العنف الداخلي محرّم.. حتى من قِبَل الاميركيين أنفسهم!

اداء المسؤولين اللبنانيين كان على مستوى الحدث. لقد حافظوا على هدوئهم وبادلوا مسرحية “الهجوم البومباوي” بالمِثل، أي بخطاب يؤكّد ان الحزب الإلهي لبناني. نوابه منتخبون من الشعب، ووزراؤه يمثلون كتلته النيابية بحسب الأحجام البرلمانية. لغة خشبية مقابل خطاب متحجّر، هذه هي الدبلوماسية. اما الغسيل الداخلي فلم يُنشر على السطوح.. بل في لقاءات جانبية تدخل في إطار “فشّة الخلق” والتطاوس!

وبصراحة، أهم ما في الزيارة الأميركية هو الاعتراف بلبنان كبلد مستقلّ له كيانه في محيط مقبل على تغييرات جذرية.. كما استمرار الدعم الأميركي لجيشنا الذي يحافظ على أمننا ووحدتنا.. والتأكيد على ان استقرار لبنان لا يزال خطا احمر، وإننا لا نزال تحت ما يسمّونه في القنوات الدبلوماسية “المظلة الواقية” التي تحول دون انتقال الحروب الخارجية الى داخلنا.

وهذا بنظرنا اهم ما يجب ان نستخلصه من الزيارة بعيداً من التنظير والتهويل.

عملية استكشاف أميركية 

لبنان ليس إلا محطة، فيما يعتبره مسؤولون غربيون “عملية استكشاف جديدة ” للولايات المتحدة، ترمي من خلالها الى وضع خطة لعودتها الى المنطقة بصيغة حديثة. من الواضح ان أميركا لن تترك روسيا تتحكّم بالمنطقة، رغم الاتفاق الضمني بين البلدين على الاستراتيجية الشاملة. كما لم تعدل عن مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، فيما روسيا شريكة في المخطّط، كونه يدخل في ملف الحلّ الشامل الذي يُحاك في كواليس دول القرار.

الاستكشاف الأميركي يدخل أيضا ضمن سياق الحرب على سوريا التي لم تنته،ِ رغم او بسبب سيطرة الأسد على معظم أراضي بلاده. لأنهم لن يسمحوا له بأن يستفرد بالقرار من جديد كما حلفاؤه الروس والإيرانيون. وقد تكون المرحلة المقبلة محاربة الوجود الايراني في سوريا والعراق لتفتيت البلدين قبل الانتقال الى الخليج.

من هنا، ان رفض الجميع مبدأ عودة النازحين السوريين قد لا يعني توطينهم كما يخشى اللبنانيون، بل يرتبط بما قد يحلّ من ويلات جديدة على سوريا، والتي سيكون لبنان معنيّاً بها مباشرة من خلال “حزب الله”، الذي لن يستطيع النأي بنفسه.. حتى لو أراد.

جوزف مكرزل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى