ثقافة المناظرات السياسية!
إنّ لمصطلح السياسة مفهوماً أساسيًا في علم النفس، فهو من ناحية ،يتخطّى تفسيرَه للظواهر السياسية التي تعتبر ظواهرَ وراثيةٍ مَحضة. ومن ناحية ثانية، يعني بلوغَ القدرةِ الخطابية المقنعة، ومن ناحية ثالثة فهو يشير الى تنوّع الأساليبِ والأدوات التي يتّبعها السياسيون، والمنتشرة في العالم، من أجل إبراز وتمييز خبراتِها وتجاربِها التي تؤثرُ بدورها، وبشكلٍ كبير، على تمايز خطاباتها..
وقد ازدادت أهميةُ السياسة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، بحيث أنّه باتت تشملُ خطابات معينةً في علم الإقناع، والأبحاث المصيرية والإدارية، وفي العلم السياسي التنظيمي.
وبما أنَّ السياسة هي من صنع الإنسان وابتكاره، فمن الطبيعي أن تتمايزَ عن بعضها بين مجتمع وآخر. ذلك أنّ ما يقومُ به السياسيون، أو يعتقدونَه، وما يميزونَه عن غيره من حيث أبعاده، يكون في مجتمعٍ ما، مختلفاً عن غيره في مجتمع آخر. كذلك، فإنّ اعتقادَ السياسي وتصرّفه ومدى وأسلوب تجاوبِه مع أي من المتغيرات التي تطرأ في بيئةٍ ما، انما يتوقف على الثقافة السياسية التي ينشأ عليها هذا الفرد. من هنا نرى أنّ الثقافة السياسية تلعب دورا محوريًا في حياة الفرد والجماعة معًا. وبالتالي لا يمكننا وضعُ تفسيراتٍ، او إجراءُ مناظراتٍ عن سلوك الفرد أو الجماعة أو حتّى عن مجتمع ما، من دون الرجوع الى الثقافة السياسية السائدة في ذلك المجتمع.
أمّا في المجتمعات المتنوعة، التي يمتلكُ أفرادُها ثقافاتٍ سياسية مختلفة، ويعتنقونَ معتقداتٍ متباينة، ويستخدمون أدواتٍ وأساليبَ سياسية متعدّدةٍ للتعبير عنها، فقد صُنِّفت فيها الثقافة السياسية تبعًا لمقياسَينِ أساسيينِ هما:
الثقافةُ السياسية المادية: وتشتمل على نتائج العمل السياسي في المجتمع، من مشاريع، ومنشآتٍ، ومنجزاتٍ مادية ملموسة يستخدمها الفرد.
الثقافةُ السياسية اللامادية: وتشتمل على القيم والأفكار والإتجاهات وقواعد السلوك والمعتقدات التي يؤمنُ بها الفرد.
وعليه، فإنَّ مكوَّنات الثقافة السياسة تتمثلُ بالنقاط التالية:
الأفكار:وهي نتائجُ معالجة الدماغ للبيانات المتحصَّل عليها من البيئة المحيطة.
اللغة: وهي مجموعةُ الرموزِ الكلاميةِ المتفق عليها، والتي تستخدم من أجل التواصل والتفاعل.
القانون: ويمثلُ قيمةَ التنظيم الإجتماعيِّ للسلوك السياسي الذي يحدّدُ ما يجبُ على الفرد عملُه، وما يجب عليه الإمتناعُ عنه.
الأعراف: وهي الممارسات التي يتوافق عليها أفراد أعضاء المجتمع السياسي فتصبحُ ملزِمةً لأفراده.
اذاً يا أيّها السياسون، الثقافة السياسية هي روحُ الحضارة، ونورُ العقل والمعرفة. وليست بالتالي ترَفًا فكريًا، بل هي فعلُ حياة، وساحةُ صراعٍ من اجلِ بناءِ غدٍ افضل، والحفاظُ على الهُويَّةِ، والانتماءِ داخلَ حركةِ التقدّمِ السياسي، والانساني.
وكل عام وميلاد مجيد! ولبنان سعيد!
صونيا الاشقر