“محطة سّفَر”
… يقال عندما تنهار الدّول، يكثر المنجّمون، والمتسوّلون، والمنافقون، والكتبة والمغنّون النّشاز، والشّعراء النّظامون، وضاربو المندل، وقارعو الطّبول، وقارئو الكفّ، والطّالع والنّازل، والمتسيّسون، والمدّاحون، والهجاؤون، وعابرو السّبيل الانتهازيون… فتكشف الأقنعة ويختلط الحابل بالنّابل، عندها يضيع التّقدير، ويسوء التّدبير، وتلتبس المعاني ، ويندمج الصّدق بالكذب، والجهاد بالقتل…. فتنهار الدّول، ويسود الرّعب، ويلوذ النّاس بالطّوائف وتعمّ الإشاعات، ويتحوّل الصّديق إلى عدو، والعدو إلى صديق، كما يعلو صوت الباطل، ويخفق صوت الحق، وتظهر على السّطح وجوه مريبة، وتختفي وجوه مؤنسة، وتشحّ الأحلام، ويموت الأمل، وتزداد غربة العاقل، ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء، والمزايدات على الإنتماء، ومفهوم القوميّة والوطنيّة والعقيدة وأصول الديّن، ويتقاذف أهل البيت الواحد التّهم بالعمالة والخيانة، وتحاك المؤامرات، وتكثر النّصائح من القاصي والدّاني، وتطرح المبادرات من القريب والبعيد، ويتحوّل الوضع إلى مشروع مهاجرين، ويتحوّل الوطن معه إلى “محطة سفر”والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب، والبيوت إلى ذكريات، والذّكريات إلى حكايات…. أليست هذه المقدمة وثيقة لـ ” محطة سفر” تكتب واقعنا الذي أصبح شبحًا يسيطر على حياتنا اليوميّة؟! بالطبع نعم، فوضعنا المأساويّ يذكّرنا بما كتبه ” ابن خلدون” رائد علم الاجتماع في إحدى مقالاته في القرن الرابع عشر ميلادي، فعند قراءتها، نعترف بأنّ مصيرنا مكتوب ومختوم بالشّمع الأحمر.
هذا هو لبناننا اليوم بفضل السّياسات الماليّة والإقتصاديّة ” المصلحجيّة” التي شعارها ” من بعدي الطّوفان” فيا ترى، هل هناك طوفان أقوى وأبشع من هذا الطّوفان الذي نعيشه بفضلكم يا أيّها المسؤولون؟! لا شيء كما يبدو سيتغيّر، فالفساد يزداد، والمافيات تتضاعف، والخونة يتكاثرون… لقد تعبنا من عبارة ” خط أحمر” ما نريده هو عبور هذه الخطوط!!
… وإلاّ نهايتنا للأسف الشّديد ” محطة سفر”.
صونيا الأشقر