مشوار لبنان!
مشوار طويل قطعه لبنان منذ وصَّفَ الصحافي الكبير جورج نقاش، في مقاله في جريدة الاوريان (L’Orient) بتاريخ 10 آذار في العام 1949، الميثاق الوطني بأنّه «نفيان لا يؤلفان أمّة» (deux négations ne font pas une nation)، إشارة إلى أن فريقي الميثاق، المسيحيين والمسلمين، متوافقين فقط على صيغة «لا شرق ولا غرب».
كذلك قصد التدليل على وجود عطل جوهري في بنية لبنان، وشرخ كبير وصدع واسع في الالتزام والإرادة بين الفريقَين، بسبب التوجس والريبة القابع في أعماق كل فريق من الفريق الآخر.
وواقع الأمر أننا في لبنان لم نعمل حثيثاُ على تأليف أمة أو دولة أو وطن، أو حتى هوية واحدة، بل اتجهنا نحو تبنّي «هويّات قاتلة»، كما جاء في عنوان كتاب لأمين معلوف.
يُقابل ذلك القدرة اللبنانية التي لا مثيل لها على الاستنباط، مثال ما ورد في الميثاق الوطني عام 1943 حول أن «لبنان ذو وجه عربي»، فهل كان يعني ضُمناً أنه ربما ذو جسد غربي بوجه عربي؟! ومثال استنباط مصطلح «النأي بالنفس» عام 2011 تجنباً لاعتماد مفهوم الحياد التام المُطلق، أو الحياد الإيجابي بما يُمكن أن يعنيه من مدلولات، أو حتى مفهوم الحياد مع بعض الاستثناءات كمثل الصراع العربي – الإسرائيلي وقضية فلسطين!
ومع أنّ اتفاق الطائف في العام 1989، الذي أتى بعد سنوات الحرب المُدمّرة، كرّس التوافق على أساس «لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، … ولبنان عربي الهوية والانتماء»، إلاّ أن تاريخ لبنان أثبت أنّ الشرخ اللبناني العميق سرعان ما يبرز عند بوادر أي صراع إقليمي.
رغم ذلك يبقى هناك علامات مضيئة في تاريخ لبنان، بغضّ النظر عن أسباب نشوئها وخلفيّاتها، منها تبنّي معظم السُنة شعار «لبنان أولاً»، وتوجّه أحزاب وشخصيّات مسيحيّة إلى التمسّك بعروبة لبنان.
عبد الفتاح خطاب