Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

لبنان المتشرذم في مناسبة!

بَكَتْ “جارةُ القمر” ابنَها زياد أمامَ مذبح الرب في كنيسة رقاد السيدة المحيدثة-بكفيّا، بَكَتْه في قلبِها أوّلا ومن ثمّ في عَيْنَيْها وقد اتّشحت بالسّواد، وهي لطالما تزيّنت بأوشحةِ الحشمةِ السّوداء والبيضاء داخل الكنيسة وفي كلّ مناسبة كان لها وقع ثقافيّ أزليّ. وبأسلوبها الرؤيويّ المعهود نظرت إلى السّماء لتستعير جبرًا لقلبها المكسور، وإلى الحشود التي أمّت الكنيسة معزّيةً بزياد الرّحبانيّ، بل متأمّلةً في دواخلِهِم وهي تعلَمُ أنّ المعزين هم ثلاثة أنواع:

أوّل المعزّين، هم من أحبّوا زياد حبًّا صادقًا وآمنوا بثقافته وفلسفته وفنّه وعبقريّته، وهم أيضًا رفاقه في النّضال والإنتماء السياسيّ.

ثاني المعزّين، هم “شلّة” من المشاهير والفنّانين والسياسيّين المنافقين الذين أرادوا “تبييض الطّناجر” والظهور أمام عدسات الكاميرات بموضة العزاء بهدف الظّهور الإعلاميّ لصناعة صورتهم منتحلين صفة المحزونين والمتضامنين مع السيّدة فيروز. ولو كان زياد حيًّا يُرزق لكان طرد معظمهم وشتم معظمهم الآخر.

ثالث المعزّين، هم عامّة الشّعب الذين جاؤوا بدافع الفضول إمّا محبّة وإمّا حبًّا بالثرثرة والذين لطالما حُرموا كما سواهم من لمس يد فيروز في الواقع، فاستغلّوا الفرصة ليحضروا في هذه المناسبة الأليمة، علمًا منهم أنّهم سيبصرون بالعين المجرّدة الهالة التي لامست القمر وعجزوا وعجزت وسائل الإعلام عن البلوغ إليها، والأجمل أنّ ثرثاري الإعلام لم يستطيعوا أن يسرقوا منها ولو همسة واحدة.

وبعد المتابعة والمراقبة الإعلاميّة، تبيّن جليًّا بعد موت زياد الرحباني الفارق الثقافي الكبير في وسط الشّباب اللبنانيّ: جزء منه مثقّف ومفكّر ومنفتح الذهن وقد تجلّى ذلك في الملاقاة المهيبة التي لاقوا بها جثمان الرّاحل زياد الرحباني في شارع الحمرا، وهم رفاق طريق تشبّعوا من أغانيه ومسرحيّاته وقد تصرّفوا على سجيّتهم، أمّا الجزء الآخر فقد أظهر تحجّرًا يمينيًّا ضيّقًا لسببين: أوّلاً، لأنه لا يعرف زياد بما يكفي ولاحتّى قامات الزّمن الجميل لانشغاله بتوجيه زعيم حزبه، والثاني لأنّه لم يشأ أن يتعرّف عليه لاعتبارات حزبيّة ضيّقة حجّرت وأصأدت ذهنه وأتلفته وحجبت عنه الخروج عن حدود منطقته أو وطنه، وينسحب هذا الوباء على كافّة فئات شباب المعسكر الليبرالي الذي استسلم لعالمٍ ليبراليّ طاحن، داس التراث والتاريخ والإنتماء القومي والفكريّ للشعوب.

إدمون بو داغر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى