Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

قراءة نُهيويّة!

“لأنّه حينَمَا يقولون “سلامٌ وأمانٌ”، حينئذٍ يُفاجئُهم الهلاكُ بغتةً، كالمخاض للحُبْلَى، فلا يَنْجُون” (1 تس 5:3).

أجل، هذا ما سيحصل! (ولو أنّ معظم البشرية فقدت البصيرة والرّجاء وسلّمت للأمر الواقع والزّائل أو أنّها لا تؤمن بهذا النّوع من القراءات)

يسعَوْن لتطبيعِ سلامٍ على حسابِ مآسي شعوبٍ تخطّت كلَّ إدراكٍ ووعيٍ بل وغريزة. ولأنّ العَدَالة مهما تأخّرت فهي ستحلُّ كالصّاعقة في اللّحظات الأخيرة عندما يحسب الشرّ نفسه انتصر، ولكن في الحقيقة في هذه اللحظات ستشهدُ الإنسانية أو ما تبقّى منها سقوطًا مدويًّا ومصدّعًا بل ومزلزلاً للشر وعملائه. والعدالة هي “كما في السّماء كذلك على الأرض”.

توجّهت مريم العذراء في سياق رسالتِها الأخيرة في ميديوغوريه إلى العالَم قائلةً: “إنّ الإيديولوجيّات التي تدمّركم وتدمّر حياتَكم الروحيّة عابرة”. ودَعَت البشريّة بعد ذلك إلى العَوْدَة إلى الله، لأنّهم مع الله لديْهم “مستقبل وحياة أبديّة” (رسالة مريم العذراء في ميديوغوريه إلى العالَم في 25 حزيران 2025).

ألهدفُ الوحيد لمقالتنا هو التوسّع في مضمون الفكرة الرّئيسة من هذه الرّسالة المريميّة الصّادقة وهي أنّ كلّ الإيديولوجيّات التي تدمّر الحياة الإنسانيّة هي عابرة. وتُعَرَّفُ الإيديولوجيا بحسب علم الإجتماع على أنّها “مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تشكل نظامًا فكريًا شاملاً يوجه سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع”. وبالتّالي فإنّ الإيديولوجيّات المُدَمّرة التي تعنيها العذراء مريم في رسالتها هي تجسيد مجموعة الأفكار الإنسانيّة الجامحة والأنانيّة في تقنيّات ملموسة أو بتعبير آخر تكنولوجيا مدمّرة للقيم والأخلاق والفكر والمشاعر والإيمان.

إستخدامات الـAI أو الذكاء الإصطناعيّ وباقي العلوم التطبيقيّة الأخرى بغير مكانها حوّلت الإنسان إلى فأرِ تجارب. وقد انبثق من كلّ هذه التقنيّات والعُلُوم عبادة المادّة والتّكنولوجيا واستبدال الديانات السماوية بالدّيانة الجديدة ألا وهي العلم وترافَقَ ذلك مع عزل المبدعين في العلوم الإنسانية لتحلّ مكانَهم الإبتكارات غير الأخلاقيّة كالأرحام الإلكترونية بحجّة إراحة المرأة من الحَمل والتلاعب بالأجنّة والموت الرّحيم. والمفارقة الخبيثة هو أنّ النُّخبة المتحكّمة بالعلوم توصّلت لإنتاج صواريخ عابرة لحدود المنظومة الشّمسيّة والقارات، ناهيك عن السّلاح النوويّ، فيما لم تُعلِن عن دواء شافٍ لمرض السّرطان لغاية اليوم. ولا ننسى المصانع البيولوجيّة المصنّعة للأوبئة واللّقاحات المناسبة أو غير المناسبة والمُتلاعب بتركيبَتِها، وقد افتُضح أمرها عبر وسائل الإعلام المُتعارف عليها عالميًا ومحليًّا. (وكلّها موثّقة)، وسواها من التقنيّات التي تتملّك من أرواح وأذهان وأنفس عبيدِها، كأن نسمع مثلاً إنسانًا يتغزّل بتطبيق ذكاءٍ إصطناعيّ، مُثنيًا على ذكائه وطبيعة الخدمة التي يؤدّيها له، ومُتّكلاً على طاقته المصنّعة (متجاهلاً أنّ هناك كائن من روح ونفس قد صنعه) حتّى أنّه قرّر تسليمَه كلّ بياناته الشخصيّة ومفكّرته الخاصة لتذكيره بها على مدار الدّقائق.

في السياق نفسه، أطلقت GAFAM وشركات التكنولوجيا “المنتفخة” العَنان للـMachine Learning أو التعلّم الآلي التلقائيّ (فقط لمن سلّم عُنُقَه وتخلّى عنه)، فضلاً عن تقنيّة تحوّلُ الإنسانَ إلى آلة من خلال الـNeuralink والشريحة الإلكترونيّة، بل إلى سلعة معلوماتية ومجرّد رقم في خدمة أسياده في هذا العالَم الذين سلّم نفسه إليهم.

كلّ ما ذكرناه هو جزء من الإيديولوجيّات المدمّرة والتي ستبقى ناقصة وعاجزة، لأنّ مَن يبتكرُها ويطوّرها هو كائن ناقص وينتمي إلى طبيعة ناقصة، مهما تعاظمت لديه النّزعة إلى الكمال والتسلّط والخلود. ومن هنا نُنهي مقالتنا بكلمة “عابرة” على ما ذكرت السيّدة العذراء في رسالتها الأخيرة في ميديوغوريه، ما يعني أنّ كلّ هذه الإيديولوجيات المُترجَمَة بتكنولوجيا مدمّرة، ما هي إلاّ موضة موقّتة وعابرة، بل وكما أنّها فرضت ذاتها فجأةً على المجتمعات البشريّة، ورفعت معها رصيد المادّة وعبادتها ورصيد العلوم التطبيقية في المدارس والجامعات على حساب العلوم الإنسانية والإجتماعية واللاّهوتية، سيخبو وهجها فجأةً وتعود وترجح الكفّة من جديد لصالح العلوم الإنسانية والإلهية، وبعدها ستمرّ الإنسانية في عقود وعقود ذهبيّة وافرة. (لن يؤمن بهذا الكلام سوى الأشخاص الرؤيويين والذين يحافظون لغاية هذه الساعة على إيمانهم بأنّ لا شيء كامل وأزليّ سوى الله، وكما أنّ الإنسان هالكٌ وفانٍ فكذلك أعماله.

إدمون بو داغر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى