Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

زيارةٌ حبريّةٌ عُنوانُها “السّلام”!

لا سلام من دون التخلّي عن الكبرياء!

لا سلام من دون خدمة الفقراء!

لا سلام من دون خدمةُ إخوة يسوع الصّغار!

لا سلام من دون “خدمة مرضىً لم نخترْهم” (مُقتَبَسة من الأم ماري مخلوف).

لم يتمكّن البابا لاون الرّابع عشر وقبلَه أسلافه من إرجاع أوروبا والغرب إلى أحضان المسيحية، حتّى أنّ البابا القديس يوحنا بولس الثاني قال لفرنسا: “فرنسا فرنسا ماذا صنعتِ بمواعيد معموديّتك”، فشاء الحبر الأعظم البابا لاون الرّابع عشر أن يستثمر في مسيحيي لبنان ومعهم مسيحيي الشّرق. وبالتّالي أصرّ على هذه الزيارة ولم يستمع لتشويش المذبذبين وأوّلهم ملكة الأردن رانيا العبدالله.

لقد حمل اسمَ لاون الرابع عشر تيمّنًا بالبابا لاون الثالث عشر وهو أوّل من تكلّم في العام 1901 عن حقوق العمّال وعُرفَ باسم “بابا المساكين والفقراء”. إنّه النّهج الذي يريده الفاتيكان اليوم، وقد انطلقت هذه المسيرة مع البابا الرّاحل فرنسيس، وهو الذي حمل أيضًا اسمه تميمّنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي الذي أفنى حياته في خدمة الفقراء، إخوة يسوع الصّغار.

أرادها البابا لاون الرابع عشر زيارةً عنوانها السّلام وقد اتّخذ الآية المقدّسة “طوبى لصانعي السّلام” (متى 5:9) شعارًا، وهي في الحقيقة تتعدّى الشّعار الببغائيّ، لتكون دعوة مباشرة إلى مسؤولي لبنان الزمنيّين والروحيّين ليكونوا حقيقةً حاملي سلام، وقد تجلّى هذا المنطق بوضوح في كلمته للأساقفة والكهنة في بازيليك سيدة لبنان-حريصا. ومن هنا نتذكرّ قول المسيح لنا: “من أُعطيَ كثيرًا، يُطالبُ بأكثر” (لوقا: 12:48). وتوازيًا، وفي لقائه سياسيّي لبنان قال لهم بالفم الملآن: “الطّبقة السياسيّة يجب أن تلتزم الالتصاق بالشّعب”. وقبل وصوله إلى لبنان صرّح البابا للصحفيين وهو على متن الطّائرة المتّجهة إلى بيروت: “إنّ الحل الوحيد للصراع الممتد منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن يتضمّن إقامة دولة فلسطينية”،

مؤكّدًا بذلك موقف الفاتيكان الثابت من هذه القضية، وتحديدًا من المنكوبين والمفجوعين وبحق 100 ألف قتيل وأكثر. وهذا ما يجعلنا نستنتج أنّ التّطبيع مع إسرائيل غير وارد والحلّ الأفضل هو تفعيل اتفاقيّة الهدنة بين لبنان وإسرائيل للعام 1949، لا أكثر.

زيارة البابا لاون الرابع عشر لدير مار مارون عنّايا وركوعِه أمام ضريح القديس شربل، كانت في الواقع زيارةً مباشرة للقديس شربل الذي تخلّى عن جاه العالَم واختلى بربّه يسوع المسيح والعذراء مريم في محبسة فقيرة وأفنى حياته سجودًا أمام القربان الأقدس، جسد المسيح السريّ وصلاةً وابتهالاً للعذراء مريم واعتناق ورديّتها المقدّسة، قاهرًا جسده مكتفيًا بخبزٍ يابسٍ وبعض الأعشاب.

زيارةُ البابا لاون الرابع عشر وبشكلٍ مفاجئ ومن دون الإعداد لها لدير الراهبات الكرمليات المحصّنات الحبيسات في حريصا، مرحّبًا بكلّ راهبة على حِدَة، وقد استذكرَ ثلاث كلمات من دعوتهنّ التأمليّة: “التّواضع والصّلاة والمحبّة”.

زيارة البابا لاون الرّابع عشر لبنات الطوباويّ أبونا يعقوب الكبوشيّ في دير الصّليب-بقنّايا، لَهو دليلٌ إضافيّ إلى الأمثولة التي أراد أن يلقّنها للسّلطات اللبنانية روحيًا وزمنيًّا، متوجّهًا للمرضى والمحتاجين: “أردتُ هذه الزيارة لهذا الدير لأنّ يسوع يسكنُ هنا فيكم أنتم المرضى وفيكم أنتم أنتم الرّاهبات والأطبّاء والعاملين في مجال الرّعاية الصحية والموظّفين، وأؤكّد لكم أنّكم في قلبي وفي صلاتي (…) إنّه عملٌ كبير في عينيّ الله. لا يمكننا أن ننسى الضّعفاء ولا يمكننا أن ننسى مجتمعًا يركضُ بأقصى سرعةٍ وهو متشبّثٌ بأوهام الرفاهية الزّائفة ومتجاهلاً حالاتٍ كثيرة من الفقر والهشاشة”.

زيارة البابا لمرفأ بيروت الذي لازال على ركامه منذ خمس سنواتٍ، أي منذ 4 آب 2020، هو دعوة يسوع للعازر الراقد في القبر: “لعازر قمْ” وقد صرخ البابا في قدّاسه الختاميّ أمام واجهة بيروت البحريّة قائلاً: “يا لبنان قمْ وانهضْ وكنْ بيتًا للعدل والأخوّة ونبوءة سلام لكلّ المشرق”.

باختصار، إنّها دعوة حبريّة للمسؤولين الروحيين والزمنيين ليقفوا إلى جنب شعبهم المتألّم وللبنان وجيرانه للمضيّ قُدُمًا نحو صناعة السّلام مع إقامة دولة فلسطينية، وبذلك ينتفي التطرّف، لأن هذا الأخير لا يغذّي ولا يولّد سوى التطرّف.

إدمون بو داغر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى