إعادة إحياء الوطن

وصل اهل الحكم الكاسدين الى ما كنا نحذّرهم منه، وهو الإفلاس السياسي قبل الاقتصادي والمالي. ومهما ادّعوا أنّ الحالة بألف خير، وسبب الازمات ثقل النزوح السوري، فالجميع يعلم ان هذا الملف لا يشكّل سوى الجزء العائم من جبل الجليد، اما باقي الاثقال التي يحاولون اخفاءها عن الأنظار فهي ناجمة عن نهبهم المبرمج لمقدّرات الوطن والذي وصل حدّ الخيانة العظمى.

لطالما حذفنا من قاموسنا الدبّوري كلمات قاسية مثل، مهوار، او انهيار، او غيرهما من الألفاظ التشاؤمية التي تهدم ولا تبني، لكننا وصلنا الى وضع مزرٍ للغاية، ولا كلمات تكفي للتعبير عن حجم المصيبة والجهود الجبارة التي يجب ان نبذلها لإنهاض الوطن من كبوته واعادته الى الحياة. نقول اعادته الى الحياة لأنه بكل بساطة في ازمة وجودية بل في حالة موت سريري، او على الأقل بحاجة الى إنعاش اصطناعي دائم. كل هذا لأننا نعيد الى الحكم باستمرار، وبغباء مطلق، الأشخاص أنفسهم الذين دمّروا الوطن ونحروا المواطن.

صرف النظر عن صرف الليرة 

من الإشارات السلبية عن وضع البلد وعافيته المالية، القرار المفاجئ بمنع المصارف من تحويل الليرة اللبنانية الى عملات أجنبية. والأخطر من ذلك، ان لا أحد من المسؤولين او المؤسسات المعنية يفسّر هذا القرار او يتبنّاه، من مصرف لبنان وجرّ. جميعهم يصرفون النظر عن عدم صرف الليرة.

إذا غضّينا النظر عن التجني الخطير على مبدأ التبادل الحرّ، قد يكون هدف المسؤولين من هذا الإجراء لبننة الاقتصاد الوطني، وهو امر إيجابي. لكن غياب أي تفسير وانعدام الشفافية يثيران التساؤلات والقلق، ويساهمان في انتشار الاشاعات التي تضعضع ثقة المواطن بدولته وعملته..ما يرتد سلباً في النتيجة على قيمة صرف الليرة اللبنانية. الحلقة مفرغة!

ضريبة الخزينة الحزينة 

الدولة اللبنانية في ازمة مالية خطيرة، لم يعد هذا الأمر سراً على أحد. لكن المصيبة ان المسؤولين، بدل من ان يطهّروا البلد من الفساد، كونه فسادهم، قرّروا ان الحل الوحيد لتفادي الإفلاس هو فرض المزيد من الضرائب، والشعب وحده يدفع. هذا في زمن تدنى فيه مستوى المعيشة الى ما دون حدّ الفقر والحرمان، وتلجأ المؤسسات الى صرف موظفيها كي تؤمّن استمراريتها. لذا، سياسة الهروب الى الامام الرسمية لن تفي بالغرض المرجوّ، بل ستزيد الطين بلة لأنها ستحوّل الازمة الاقتصادية الى ازمة اجتماعية عامرة، دون ان تستفيد الخزينة الحزينة.

تباهى أحد الوزراء البارزين في مجلس خاص، بأنّ الدولة ستبدأ بالتدقيق في حسابات المهندسين والأطباء وغيرهم من أصحاب المصالح الحرّة، كي تجني المزيد من الضرائب. هذا المنطق الذي ينطلق من مبدأ ان المواطن فاسد، يدخل في إطار النصب والاحتيال والتجني.. وابتزاز الدولة لمواطنيها.

اصلاح.. بالثلاثة 

يحاول المسؤولون اللبنانيون بشتى الوسائل الالتفاف على الشروط التي تحول دون الافراج عن أموال “سيدر”. لكن الكلام والوعود وحتى التوسّل والانبطاح المذلّ لم يجدِ هذه المرّة، لأن المطلوب اصلاح حقيقي وليس عمليات تجميل لم تعد تخدع أحداً.

لقد سقطت ورقة التين وانكشف المستور. المطلوب اصلاح.. اصلاح.. اصلاح.. بالثلاثة! يعني لجم النهب المبرمج للمال العام من الحكام الذين ينعتونه بالهدر.

جوزف مكرزل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى