يومنا الأسود الثالث: مجلس تشريعي.. أم استرضائي؟

رحم الله زماناً أعطانا مجلسَ نواب قوامُه 44 نائباً من خيرة رجالات الأمة. لكن زعماءنا الأشاوس الذين استفحلت زعاماتهم بعد إلغاء مجلس الشيوخ وتعديل المادة 28 من الدستور ليتاح لهم التوزير، أرادوا توسعة زعاماتهم عملاً بإيحاءات”الأستيذ”، رئيسهم مدى الحياة. وفي يوم أسود ثالث من تاريخنا، زادوا عديد النواب إلى 128. هذه الزيادات تحولت حتى يومنا هذا إلى “وزراء” لملوك الطوائف، أُطلقت عليها لاحقاً إستعارات “المحادل” و “البوسطات”، وعززتها مجازات لفظية من “أشباح” تلقي بظلالها على “بحيرات” تنق حولها “ضفادع” لا تقوى على غير النق.

أبناؤنا المثقفون اليوم يتساءلون لماذا يحتاج لبنان ذو الملايين الخمسة إلى 128 نائباً فيما لا تحتاج الولايات المتحدة ذات الثلاثمائة مليون ونيّف لأكثر من 435؟.  إن التوافق على النقاط المشتركة، وتشريع القوانين وبخاصة في لبنان، تُحسم في وقت أقصر بين أشخاص أقل. وعليه فإن تقليص العدد معناه تقليص المماحكات العقيمة واختصار الوقت والطرق نحو الإنجازات، وصناعة مجلس يتمتع أفراده بالإستقلالية التامة بمنأى عن التسلط الفئوي لأنه يمهّد الطريق نحو انتخابات الدائرة المصغرة، نواة الديمقراطية الحقيقية. هنا يصبح للنائب حجمه الشخصي وفلسفته الذاتية وقناعته اللامنتمية، ويتمكن من أداء دوره المتجرّد والمتعالي في التشريع والمراقبة ووضع العربة البرلمانية على السكة السليمة.

منذ بدأ ثورتنا الراهنة وشبابنا المثقف يذرع الشوارع ويلهج بالتغيير، ويطالب بتعديل الصيغة دون أن يذكر أي تغيير وأية صيغة، ويجهل أن ما يحتاجه الوطن هو بكل بساطة ما ذكرناه أعلاه. ويطالب بانتخابات جديدة ولا يدرك أنها، مع قانون الإنتخاب المُعلّب الراهن، ستنتج الطواقم القديمة، والإحباط والتشويه لروح الديمقراطية، والإنكفاء المر إلى هيمنة الإقطاع التقليدي والمتجدد.

وإلى يومنا الأسود الرابع.. الجمعة القادم.

 د. هادي عيد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى